فصل: تفسير الآيات رقم (18- 30)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 30‏]‏

‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏18‏)‏ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ‏(‏19‏)‏ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏20‏)‏ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ‏(‏21‏)‏ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ‏(‏22‏)‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ‏(‏23‏)‏ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏24‏)‏ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ‏(‏25‏)‏ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ‏(‏26‏)‏ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ‏(‏27‏)‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ‏(‏28‏)‏ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏29‏)‏ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏قد يعلم الله المعوقين منكم‏}‏ الذين يُعوِّقون النَّاس عن نصرة محمَّد عليه السَّلام، ‏{‏والقائلين لإِخوانهم هلمَّ إلينا‏}‏ يقولون لهم‏:‏ خلُّوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإنَّه مغرورٌ وتعالوا إلينا ‏{‏ولا يأتون البأس إلاَّ قليلاً‏}‏ لا يحضرون الحرب مع ‏[‏أصحاب‏]‏ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاّ تعذيراً وتقصيراً، ‏[‏يرى أنَّ له عذراً ولا عذر له‏]‏، يوهمونهم أنَّهم معهم‏.‏

‏{‏أشحة عليكم‏}‏ بخلاء عليكم بالخير والنَّفقة ‏{‏فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليكم تدور أعينهم‏}‏ في رؤوسهم من الخوف كدوران عين الذي ‏{‏يُغشى عليه من الموت‏}‏ قَرُبَ أن يموت فانقلبت عيناه ‏{‏فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد‏}‏ آذوكم بالكلام وجادلوكم في الغنيمة ‏{‏أشحة‏}‏ بخلاء ‏{‏على الخير‏}‏ الغنيمة‏.‏

‏{‏يحسبون الأحزاب لم يذهبوا‏}‏ لجبنهم وشدَّة خوفهم يظنون أنَّهم بعد انهزامهم لم ينصرفوا بعد ‏{‏وإن يأت الأحزاب‏}‏ يرجعوا كرَّةً ثانية ‏{‏يودوا لو أنَّهم بادون في الأعراب‏}‏ خارجون من المدينة إلى البادية في الأعراب ‏{‏يسألون عن أنبائكم‏}‏ أَيْ‏:‏ يودوا لو أنَّهم غائبون عنكم يسمعون أخباركم بسؤالهم عنها من غير مشاهدة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاَّ قليلاً‏}‏ رياءً من غير حِسْبَةٍ، ولمَّا وصف الله تعالى حال المنافقين في الحرب وصف حال المؤمنين فقال‏:‏

‏{‏لقد كان لكم‏}‏ أيُّها المؤمنون ‏{‏في رسول الله أسوة حسنة‏}‏ سنَّةٌ صالحةٌ، واقتداءٌ حسنٌ حيث لم يخذلوه ولم يتولَّوا عنه، كما فعل هو صلى الله عليه وسلم يوم أُحدٍ شُجَّ حاجبه، وكُسرت رباعيته، فوقف صلى الله عليه وسلم ولم ينهزم، ثمَّ بيَّن لمَنْ كان هذا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏{‏لمن كان يرجو الله واليوم الآخر‏}‏ أَيْ‏:‏ يخافهما‏.‏

‏{‏ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا‏}‏ تصديقاً لوعد الله تعالى‏:‏ ‏{‏هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله‏}‏ ووعدُ الله تعالى إيَّاهم في قوله‏:‏ ‏{‏أمْ حسبْتُم أن تدخلوا الجنَّة ولمَّا يأتكم مثَلُ الذين خلوا مِنْ قبلِكم مسًّتهم البأساءُ والضَّراء وزُلزلوا حتَّى يقولَ الرَّسول والذين آمنوا معه‏:‏ متى نصر الله‏؟‏ ألا إِنَّ نصر الله قريبٌ‏}‏ فعلموا بهذه الآية أنَّهم يُبتلون، فلمَّا ابتلوا بالأحزاب علموا أنَّ الجنَّة والنَّصر قد وجبا لهم إن سلَّموا وصبروا، وذلك قوله‏:‏ ‏{‏وما زادهم إلاَّ إيماناً‏}‏ وتصديقاً بالله ورسوله ‏{‏وتسليماً‏}‏ لله أمره‏.‏

‏{‏من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله‏}‏ كانوا صادقين في عهودهم بنصرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ‏{‏فمنهم من قضى نحبه‏}‏ فرغٍ من نذره واستُشهد‏.‏ يعني‏:‏ الذين قُتلوا بأُحدٍ ‏{‏ومنهم مَنْ ينتظر‏}‏ أن يقتل شهيداً ‏{‏وما بدلوا تبديلاً‏}‏ عهدهم، ثمَّ ذكر جزاء الفريقين فقال‏:‏

‏{‏ليجزي الله الصادقين بصدقهم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

‏{‏وردَّ الله الذين كفروا‏}‏ قريشاً والأحزاب ‏{‏بغيظهم‏}‏ على ما فيهم من الغيظ ‏{‏ولم ينالوا خيراً‏}‏ لم يظفروا بالمسلمين ‏{‏وكفى الله المؤمنين القتال‏}‏ بالرِّيح والملائكة‏.‏

‏{‏وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب‏}‏ الذين عاونوا الأحزاب من قريظة ‏{‏من صياصيهم‏}‏ حصونهم، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حاصرهم، واشتدَّ ذلك عليهم حتى نزلوا على حكمه، وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون‏}‏ يعني‏:‏ الرِّجال ‏{‏وتأسرون فريقاً‏}‏ يعني‏:‏ النِّساء والذُّريَّة‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏وأرضاً لم تطؤوها‏}‏ يعني‏:‏ خيبر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم الله تعالى إيَّاها‏.‏

‏{‏يا أيها النبيُّ قل لأزواجك‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ نزلت حين سألت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من عرض الدُّنيا، وآذْينَهُ بزيادة النَّفقة، فأنزل الله سبحانه هذه الآيات، وأمره أن يُخيِّرهنَّ بين الإِقامة معه على طلب ما عند الله، أو السِّراح إن أردْنَ الدُّنيا، وهو قوله‏:‏ ‏{‏إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنَّ‏}‏ متعة الطَّلاق، فقرأ عليهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات، فاخترن الآخرة على الدُّنيا، والجنَّة على الزِّينة، فرفع الله سبحانه درجتهنَّ على سائر النِّساء بقوله‏:‏

‏{‏يا نساء النبيّ مَنْ يأت منكنَّ بفاحشة مبيِّنة‏}‏ بمعصيةٍ ظاهرةٍ ‏{‏يضاعف لها العذاب ضعفين‏}‏ ضعفي عذاب غيرها من النِّساء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏31- 32‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ‏(‏31‏)‏ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏ومن يقنت‏}‏ يطع ‏{‏نؤتها أجرها مرَّتين‏}‏ مثلي ثواب غيرها من النِّساء ‏{‏وأَعتدنا لها رزقاً كريماً‏}‏ يعني‏:‏ الجنَّة‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض‏}‏ أَيْ‏:‏ لا تقلن قولاَ يجد منافقٌ به سبيلاً إلى أن يطمع في موافقتكنَّ له‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وقلن قولاً معروفاً‏}‏ أَيْ‏:‏ قلن بما يوجبه الدِّين والإِسلام بغير خضوعٍ فيه بل بتصريحٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏33- 36‏]‏

‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ‏(‏33‏)‏ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ‏(‏34‏)‏ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏35‏)‏ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وقرن في بيوتكن‏}‏ أمرٌ لهنَّ من الوقار والقرار جميعاً ‏{‏ولا تبرجن‏}‏ ولا تُظهرن المحاسن كما كان يفعله أهل الجاهليَّة، وهو ما بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما‏.‏ ‏{‏إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس‏}‏ وهو كلُّ مُستَنكرٍ ومُستقذَرٍ من عملٍ ‏{‏أهل البيت‏}‏ يعني‏:‏ نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم ورجال أهل بيته‏.‏

‏{‏واذكرن ما يتلى في بيوتكنَّ من آيات الله‏}‏ يعني‏:‏ القرآن ‏{‏والحكمة‏}‏ يعني‏:‏ السُّنَّة‏.‏

‏{‏إنَّ المسلمين والمسلمات‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ قالت النِّساء‏:‏ ذكر الله تعالى الرِّجال بخيرٍ في القرآن، ولم يذكر النِّساء بخيرٍ، فما فينا خيرٌ يُذكر، فأنزل الله تعالى هذه الآية‏.‏

‏{‏وما كان لمؤمن ولا مؤمنة‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ نزلت في عبد الله بن جحش وأخته زينب، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة، وظنَّت أنَّه خطبها لنفسه، فلمَّا علمت أنًّه يريدها لزيدٍ كرهت ذلك، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان لمؤمن‏}‏ يعني‏:‏ عبد الله بن جحش ‏{‏ولا مؤمنة‏}‏ يعني‏:‏ أخته زينب ‏{‏إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم‏}‏ أَيْ‏:‏ الاختيار، فأعلم أنَّه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله، وزوَّجها من زيدٍ، ومكثت عنده حيناً، ثمَّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يومٍ لحاجة، فأبصرها قائمةً في درعٍ وخمارٍ، فأعجبته وكأنَّها وقعت في نفسه، وقال‏:‏ سبحان الله مُقلِّب القلوب، فلمَّا جاء زيدٌ أخبرته بذلك، وأُلقي في نفس زيدٍ كراهتها، فأراد فراقها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إني أريد أن أفارق صاحبتي؛ فإنَّها تؤذيني بلسانها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏37- 38‏]‏

‏{‏وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ‏(‏37‏)‏ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏وإذ تقول للذي أنعم الله عليه‏}‏ بالإسلام، يعني‏:‏ زيداً ‏{‏وأنعمت عليه‏}‏ بالإِعتاق‏:‏ ‏{‏أمسك عليك زوجك واتق الله‏}‏ فيها، وكان صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يتزوَّج بها، إلا أنَّه آثر ما يجب من الأمر بالمعروف، وقوله‏:‏ ‏{‏وتخفي في نفسك ما الله مبديه‏}‏ أن لو فارقَها تزوَّجتها، وذلك أنَّ الله تعالى كان قد قضى ذلك، وأعلمه أنَّها ستكون من أزواجه، وإأنَّ زيداً يُطلِّقها ‏{‏وتخشى الناس‏}‏ تكره قالة النَّاس لو قلت‏:‏ طَلِّقْها، فيقال أمر رجلاً بطلاق امرأته، ثمَّ تزوَّجها ‏{‏والله أحقُّ أن تخشاه‏}‏ في كلِّ الأحوال، ليس أنَّه لم يَخْشَ الله في شيءٍ من هذه القضيَّة، ولكن ذكر الكلام ها هنا على الجملة‏.‏ وقيل والله أحقُّ أن تستحيي منه، فلا تأمر زيداً بإمساك زوجته بعد إعلام الله سبحانه إياك أنها ستكون زوجتك، وأنت تستحيي من النَّاس وتقول‏:‏ أمسك عليك زوجك‏.‏ ‏{‏فلما قضى زيد منها وطراً‏}‏ حاجته من نكاحها ‏{‏زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ لكيلا يظنَّ ظانٌّ أنَّ امرأة المتبنَّى لا تحلُّ للمتبنِّي، وكانت العرب تظنُّ ذلك، وقوله‏:‏ ‏{‏وكان أمر الله مفعولاً‏}‏ كائناً لا محالة، وكان قد قضى في زينب أن يتزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏{‏ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له‏}‏ فيما أحلَّ له من النِّساء ‏{‏سنة الله في الذين خلوا من قبل‏}‏ يقول‏:‏ هذه السُّنَّة قد مضت أيضاً لغيرك‏.‏ يعني‏:‏ كثرة أزواج داود وسليمان عليهما السَّلام، والمعنى‏:‏ سنَّ الله له سنَّةٌ واسعةً لا حرج عليه فيها ‏{‏وكان أمر الله قدراً مقدوراً‏}‏ قضاءً مقضياً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏39- 46‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ‏(‏39‏)‏ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ‏(‏40‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ‏(‏41‏)‏ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ‏(‏42‏)‏ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ‏(‏43‏)‏ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ‏(‏44‏)‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ‏(‏45‏)‏ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يبلغون رسالات الله‏}‏ ‏"‏ الذين ‏"‏ نعت قوله‏:‏ ‏{‏في الذين خلوا من قبل‏}‏‏.‏ ‏{‏ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاَّ الله‏}‏ لا يخشون قالة النَّاس ولائمتهم فيما أحلَّ الله لهم ‏{‏وكفى بالله حسيباً‏}‏ حافظاً لأعمال خلقه‏.‏

‏{‏ما كان محمد أبا أحد من رجالكم‏}‏ فتقولوا‏:‏ إنَّه تزوجَّ امرأة ابنه، يعني‏:‏ زيداً ليس له بابنٍ وإن كان قد تبنَّاه ‏{‏ولكن‏}‏ كان ‏{‏رسول الله وخاتم النبيين‏}‏ لا نبيَّ بعده‏.‏

‏{‏يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً‏}‏ وهو أن لا يُنسى على حالٍ‏.‏

‏{‏وسبحوه‏}‏ صلُّوا له ‏{‏بكرة‏}‏ صلاة الفجر ‏{‏وأصيلاً‏}‏ صلاة العصر والعشاءين‏.‏

‏{‏هو الي يصلي عليكم‏}‏ يغفر لكم ويرحمكم ‏{‏وملائكته‏}‏ يستغفرون لكم ‏{‏ليخرجكم من الظلمات إلى النور‏}‏ من ظلمات الجهل والكفر إلى نور اليقين والإسلام‏.‏

‏{‏تحيتهم‏}‏ تحيَّةُ الله للمؤمنين ‏{‏يوم يلقونه‏}‏ يرونه ‏{‏سلام‏}‏ يسلِّم عليهم ‏{‏وأعدَّ لهم أجراً كريماً‏}‏ وهو الجنَّة‏.‏

‏{‏يا أيها النبيُّ إنا أرسلناك شاهداً‏}‏ على أُمَّتك بإبلاغ الرِّسالة‏.‏

‏{‏وداعياً إلى الله‏}‏ إلى ما يُقرب منه من الطَّاعة والتَّوحيد ‏{‏بإذنه‏}‏ بأمره، أَيْ‏:‏ إنَّه أمرك بهذا لا أنَّك تفعله من قبلك ‏{‏وسراجاً منيراً‏}‏ يُستضاء به من ظلمات الكفر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏48- 51‏]‏

‏{‏وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏48‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ‏(‏49‏)‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏50‏)‏ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏ودع أذاهم‏}‏ لا تُجازهم عليه إلى أن تُؤمر فيهم بأمرنا‏.‏

‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات‏}‏ تزوجتموهنَّ ‏{‏ثمَّ طلقتموهنَّ من قبل أن تمسوهنَّ‏}‏ تجامعوهنَّ ‏{‏فمالكم عليهن من عدَّة تعتدونها‏}‏ تحصونها عليهنَّ بالأقراء والأشهر؛ لأنَّ المُطلَّقة قبل الجماع لا عدَّة عليها ‏{‏فمتعوهنَّ‏}‏ أعطوهنَّ ما يستمتعن به، وهذا أمر ندب؛ لأنَّ الواجب لها نصف الصَّداق ‏{‏وسرحوهن سَراحاً جميلاً‏}‏ بالمعروف كما أمر الله تعالى، ثمَّ ذكر ما يحلُّ من النِّساء للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏

‏{‏يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن‏}‏ مهورهنَّ ‏{‏وما ملكت يمينك‏}‏ من الإِماء ‏{‏ممَّا أفاء الله عليك‏}‏ جعلهنَّ غنيمة تُسبى وتُسترقُّ بحكم الشَّرع ‏{‏وبنات عمك وبنات عماتك‏}‏ أن يتزوجهنَّ، يعني‏:‏ نساء بني عبد المطلب ‏{‏وبنات خالك وبنات خالاتك‏}‏ يعني‏:‏ نساء بني زُهرة ‏{‏اللاتي هاجرن معك‏}‏ فمن لم يهاجر منهنَّ لم يحلَّ له نكاحها ‏{‏وامرأة‏}‏ وأحللنا لك امرأةً ‏{‏مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيِّ إن أراد النبيُّ أن يستنكحها‏}‏ فله ذلك ‏{‏خالصة لك من دون المؤمنين‏}‏ فليس لغير النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يستبيح وطء امرأةٍ بلفظ الهبة من غير وليٍّ، ولامهرٍ، ولا شاهدٍ، ‏{‏قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم‏}‏ وهو أن لا نكاح إلاَّ بوليٍّ وشاهدين ‏{‏وما ملكت أيمانهم‏}‏ يريد أنَّه لا يحلُّ لغير النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أربع بوليٍّ وشاهدين، وإلا ملك اليمين، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يحلُّ له ما ذكر في هذه الآية ‏{‏لكيلا يكون عليك حرج‏}‏ في النِّكاح‏.‏

‏{‏ترجي من تشاء منهن‏}‏ تُؤخِّر ‏{‏وتؤوي‏}‏ وتضمُّ ‏{‏إليك مَنْ تشاء‏}‏ أباح الله سبحانه له أن يترك القسمة والتَّسوية بين أزواجه، حتى إنَّه ليؤخِّر مَنْ شاء منهنَّ عن وقت نوبتها، ويطأ مَنْ يشاء من غير نوبتها، ويكون الاختيار في ذلك إليه يفعل فيه ما يشاء، وهذا من خصائصه ‏{‏ومن ابتغيت‏}‏ طلبتَ وأردتَ إصابتها ‏{‏ممن عزلت‏}‏ هجرتَ وأخَّرت نوبتها ‏{‏فلا جناح عليك‏}‏ في ذلك كلِّه ‏{‏ذلك أدنى أن تقرَّ أعينهنَّ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ إذا كانت هذه الرُّخصة مُنزَّلة من الله سبحانه عليك كان أقرب إلى أن ‏{‏يرضين بما آتيتهن كلهنَّ والله يعلم ما في قلوبكم‏}‏ من أمر النِّساء والميل إلى بعضهنَّ، ولمَّا خيَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه ورضين به، قصره الله سبحانه عليهنَّ، وحرَّم عليه طلاقهنَّ والتَّزوُّج بسواهنَّ، وجعلهنَّ أُمَّهات المؤمنين‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏52- 55‏]‏

‏{‏لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ‏(‏52‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ‏(‏53‏)‏ إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ‏(‏54‏)‏ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏ولا يحلُّ لك النساء من بعد‏}‏ أَيْ‏:‏ من بعد هؤلاء التِّسع ‏{‏ولا أن تبدَّل بهنَّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنَّ‏}‏ ليس لك أن تطلِّق واحدةً من هؤلاء، ولا تتزوَّج بدلها أخرى أعجبتك بجمالها ‏{‏إلاَّ ما ملكت يمينك‏}‏ من الإِماء فإنهنَّ حلالٌ لك‏.‏

‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ نزلت في ناسٍ من المؤمنين كانوا يتحيَّنون طعام النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخلون عليه قبل الطَّعام إلى أن يدرك، ثمَّ يأكلون ولا يخرجون، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذَّى بهم، وهو قوله‏:‏ ‏{‏غير ناظرين إناه‏}‏ أيْ‏:‏ منتظرين إدراكه ‏{‏ولا مُسْتأنِسِين لحديث‏}‏ طالبين الأنس ‏{‏والله لا يستحيِ من الحق‏}‏ لا يترك تأديبكم وحملكم على الحقِّ ‏{‏وإذا سألتموهنَّ متاعاً فاسألوهنَّ من وراء حجاب‏}‏ إذا أردتم أن تخاطبوا أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أمرٍ فخاطبوهنَّ من وراء حجابٍ، وكانت النِّساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرِّجال، فلمَّا نزلت هذه الآية ضرب عليهنَّ الحجاب، فكانت هذه آية الحجاب بينهنَّ وبين الرِّجال ‏{‏ذلكم‏}‏ أَيْ‏:‏ الحجاب ‏{‏أطهر لقلوبكم وقلوبهن‏}‏ فإنَّ كلَّ واحدٍ من الرَّجل والمرأة إذا لم ير ‏[‏الآخر‏]‏ لم يقع في قلبه ‏{‏وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله‏}‏ أَيْ‏:‏ ما كان لكم أذاه في شيءٍ من الأشياء ‏{‏ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً‏}‏ وذلك أنَّ رجلاً من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لئن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنكحنَّ عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، فأعلم الله سبحانه أنَّ ذلك محرَّمٌ بقوله‏:‏ ‏{‏إن ذلك كان عند الله عظيماً‏}‏ أَيْ‏:‏ ذنباً عظيماً‏.‏

‏{‏إن تبدوا شيئاً أو تخفوه‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ نزلت في هذا الرَّجل الذي قال‏:‏ لأنكحنَّ عائشة، أخبر الله أنَّه عالمٌ بما يُظهر ويُكتم، فلمَّا نزلت آية الحجاب قالت الآباء والأبناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ونحن أيضاً نُكلِّمهنَّ من وراء الحجاب‏؟‏ فأنزل الله سبحانه‏:‏ ‏{‏لا جناح عليهن في آبائهنَّ ولا أبنائهنَّ ولا إخوانهنّ ولا أبناءِ إخوانهنّ ولا أبناءِ أخواتهنّ ولانسائهنّ ولا ما ملكت أيمانهن‏}‏ أَيْ‏:‏ في ترك الاحتجاب من هؤلاء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏56- 62‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ‏(‏56‏)‏ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ‏(‏57‏)‏ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ‏(‏58‏)‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏59‏)‏ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏60‏)‏ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ‏(‏61‏)‏ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏إنَّ الله وملائكته يصلُّون على النبيِّ‏}‏ الله تعالى يثني على النبيِّ ويرحمه، والملائكة يدعون له ‏{‏يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً‏}‏ قولوا‏:‏ اللهم صلِّ على محمدٍ وسلِّمْ‏.‏

‏{‏إن الذين يؤذون الله ورسوله‏}‏ يعني‏:‏ اليهود والنَّصارى والمشركين في قولهم‏:‏ ‏{‏يد الله مغلولةٌ‏}‏ و‏{‏إنَّ الله فقيرٌ‏}‏ و‏{‏المسيحُ ابنُ الله‏}‏ والملائكة بنات الله، وشجُّوا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له‏:‏ ساحرٌ وشاعرٌ‏.‏

‏{‏والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا‏}‏ يرمونهم بغير ما عملوا‏.‏

‏{‏يا أيها النبي قل لأزواجك‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ كان قومٌ من الزُّناة يتَّبعون النِّساء إذا خرجن ليلاً، ولم يكونوا يطلبون إلاَّ الإِماء، ولم يكن يؤمئذٍ تُعرفْ الحرَّة من الأمة؛ لأنَّ زِيَّهُنَّ كان واحداً، إنَّما يخرجن في درعٍ وخمارٍ، فنهى الله سبحانه الحرائر أن يتشبَّهنَّ بالإماء، وأنزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ‏}‏ أَيْ‏:‏ يرخين أرديتهنَّ وملاحفهنَّ؛ ليعلم أنهنَّ حرائر فلا يتعرض لهنَّ، وهو قوله‏:‏ ‏{‏ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً‏}‏ لما سلف من ترك السِّتر ‏{‏رحيماً‏}‏ بهنَّ إذ يسترهنَّ‏.‏

‏{‏لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض‏}‏ يعني‏:‏ الزُّناة ‏{‏والمرجفون في المدينة‏}‏ الذين يوقعون أخبار السَّرايا بأنهم هُزموا بالكذب والباطل ‏{‏لنغرينَّك بهم‏}‏ لنسلطنَّك عليهم ‏{‏ثم لا يجاورونك فيها‏}‏ لا يساكنونك في المدينة ‏{‏إلاَّ قليلاً‏}‏ حتى يخرجوا منها‏.‏

‏{‏ملعونين‏}‏ مطرودين ‏{‏أينما ثقفوا‏}‏ وُجدوا ‏{‏أخذوا وقتلوا تقتيلاً‏}‏‏.‏

‏{‏سنة الله في الذين خلوا من قبل‏}‏ سنَّ الله في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يُقتلوا حيث ما ثقفوا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏67- 70‏]‏

‏{‏وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ‏(‏67‏)‏ رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ‏(‏68‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ‏(‏69‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏إنا أطعنا سادتنا‏}‏ أَيْ‏:‏ قادتنا ورؤساءنا في الشِّرك والضَّلالة‏.‏

‏{‏ربنا آتهم ضعفين من العذاب‏}‏ مثلي عذابنا‏.‏

‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى‏}‏ لا تؤذوا نبيَّكم كما آذَوا هم موسى عليه السَّلام، وذلك أنَّهم رموه بالبرص والأدرة حتى برَّأه الله مما رموه به بآيةٍ معجزةٍ ‏{‏وكان عند الله وجيهاً‏}‏ ذا جاهٍ ومنزلةٍ‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏وقولوا قولاً سديداً‏}‏ أَيْ‏:‏ حقَّاً وصواباً‏.‏ قيل‏:‏ هو لا إله إلاَّ الله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏72- 73‏]‏

‏{‏إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ‏(‏72‏)‏ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏إنا عرضنا الأمانة‏}‏ الفرائض التي افترض الله سبحانه علىالعباد، وشرط عليهم أنَّ مَنْ أدَّاها جُوزي بالإِحسان، ومَنْ خان فيها عوقب‏.‏ ‏{‏على السموات والأرض والجبال‏}‏ أفهمهنَّ الله سبحانه خطابه وأنطقهنَّ ‏{‏فأبين أن يحملْنَها‏}‏ مخافةً وخشيةً لا معصيةً ومخالفةً، وهو قوله‏:‏ ‏{‏وأشفقن منها‏}‏ أَيْ‏:‏ خشين منها ‏{‏وحملها الإِنسان‏}‏ آدم عليه السَّلام ‏{‏إنَّه كان ظلوماً‏}‏ لنفسه ‏{‏جهولاً‏}‏ غِرَّاً بأمر الله سبحانه وما احتمل من الأمانة، ثمَّ بيَّن أنَّ حمل آدم عليه السَّلام هذه الأمانة كان سبباً لتعذيب المنافقين والمشركين في قوله‏:‏

‏{‏ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات‏}‏ يعني‏:‏ إذا خانوا في الأمانة بمعصية أمر الله سبحانه تاب عليهم بفضله ‏{‏وكان الله غفوراً رحيماً‏}‏‏.‏

سورة سبأ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 8‏]‏

‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ‏(‏1‏)‏ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ‏(‏2‏)‏ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ‏(‏3‏)‏ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ‏(‏4‏)‏ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ‏(‏5‏)‏ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ‏(‏6‏)‏ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ‏(‏7‏)‏ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏الحمد لله‏}‏ على جهة التَّعظيم ‏{‏الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة‏}‏ لأنَّ أهل الجنَّة يحمدونه‏.‏

‏{‏يعلم ما يلج في الأرض‏}‏ يدخل فيها من الماء والأموات ‏{‏وما يخرج منها‏}‏ من النَّبات ‏{‏وما ينزل من السماء‏}‏ من الأمطار ‏{‏وما يعرج‏}‏ يصعد ‏{‏فيها‏}‏ من الملائكة‏.‏

‏{‏وقال الذين كفروا‏}‏ يعني‏:‏ منكري البعث‏:‏ ‏{‏لا تأتينا الساعة‏}‏ أَيْ‏:‏ لا نبعث ‏{‏قل‏}‏ لهم يا محمَّدُ‏:‏ ‏{‏بلى وربي لتأتبينَّكم عالمِ الغيب‏}‏ بالخفض من نعت قوله‏:‏ ‏{‏وربي‏}‏ وبالرَّفع على معنى‏:‏ هو عالم الغيب، وقوله‏:‏ ‏{‏لا يعزب‏}‏ مفسَّرٌ في سورة يونس، وقوله‏:‏

‏{‏ليجزي‏}‏ يعود إلى قوله‏:‏ ‏{‏لتأتينكم‏}‏ معناه‏:‏ لتأتينَّكم السَّاعة ‏{‏ليجزي الذين آمنوا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

‏{‏والذين سعوا في آياتنا‏}‏ مفسَّر في سورة الحج‏.‏

‏{‏ويرى الذين أوتوا العلم‏}‏ يعني‏:‏ مؤمني أهل الكتاب ‏{‏الذي أنزل إليك من ربك‏}‏ وهو القرآن ‏{‏هو الحقَّ ويهدي إلى صراط العزيز‏}‏ القرآن‏.‏

‏{‏وقال الذين كفروا‏}‏ إنكاراً للبعث وتعجُّباً منه‏:‏ ‏{‏هل ندلكم على رجل‏}‏ وهو محمَّد صلى الله عليه وسلم ‏{‏ينبئكم إذا مزقتم كلَّ ممزق‏}‏ أَيْ‏:‏ فُرِّقتم وصرتم رُفاتاً ‏{‏إنكم لفي خلق جديد‏}‏ أَيْ‏:‏ تُبعثون‏.‏

‏{‏أفترى على الله كذباً‏}‏ فيما يُخبر به من البعث ‏{‏أم به جنة‏}‏ حالةُ جنونٍ‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏9- 13‏]‏

‏{‏أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ‏(‏9‏)‏ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ‏(‏10‏)‏ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏11‏)‏ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ‏(‏12‏)‏ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض‏}‏ يقول‏:‏ أما يعلمون أنَّهم حيث ما كانوا فهم يرون ما بين أيديهم من الأرض والسَّماء مثل الذي خلفهم، وأنَّهم لا يخرجون منها، فكيف يأمنون‏؟‏‏!‏ ‏{‏إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء‏}‏ عذاباً ‏{‏إنَّ في ذلك لآية لكلِّ عبدٍ منيب‏}‏ لعلامةً تدلُّ على قدرة الله سبحانه على إحياء الموتى لكلِّ مَنْ أناب إلى الله تعالى، وتأمَّل ما خلق الله سبحانه‏.‏

‏{‏ولقد آتينا داود منَّا فضلاً‏}‏ ثمَّ بيَّن ذلك فقال‏:‏ ‏{‏يا جبال‏}‏ أَيْ‏:‏ قلنا يا جبال ‏{‏أوّبي معه‏}‏ سبِّحي معه ‏{‏والطير‏}‏ كان إذا سبَّح جاوبته الجبال بالتَّسبيح، وعكفت عليه الطَّير من فوقه تسعده على ذلك ‏{‏وألنا له الحديد‏}‏ جعلناه ليِّناً في يده، كالطِّين المبلول والعجين، وقلنا له‏:‏

‏{‏أن اعمل سابغات‏}‏ دروعاً كوامل ‏{‏وقدِّر في السرد‏}‏ لا تجعل مسمار الدِّرع دقيقاً فيفلق، ولا غليظاً فيفصم الحلق‏.‏ اجعله على قدر الحاجة، والسَّرْد‏:‏ نسج الدُّروع ‏{‏واعملوا‏}‏ يعني‏:‏ داود وآله ‏{‏صالحاً‏}‏ عملاً صالحاً من طاعة الله تعالى‏.‏

‏{‏ولسليمان الرِّيح‏}‏ وسخَّرنا له الرِّيح ‏{‏غدوها شهر‏}‏ مسيرها إلى انتصاف النَّهار مسيرة شهر، ومن انتصاف النَّهار إلى اللَّيل مسيرة شهر، وهو قوله‏:‏ ‏{‏ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر‏}‏ أذبنا له عين النُّحاس، فسالت له كما يسيل الماء ‏{‏ومن الجنِّ‏}‏ أَيْ‏:‏ سخَّرنا له من الجنِّ ‏{‏مَنْ يعمل بين يديه بإذن ربه‏}‏ بأمر ربه ‏{‏ومَنْ يزغ‏}‏ يمل ويعدل ‏{‏منهم عن أمرنا‏}‏ الذي أمرناه به من طاعة سليمان ‏{‏نذقه من عذاب السعير‏}‏ وذلك أنَّ الله تعالى وكَّل بهم ملكاً بيده سوطٌ من نار، فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه ضربةً أحرقته‏.‏

‏{‏يعملون له ما يشاء من محاريب‏}‏ مجالس ومساكن ومساجد ‏{‏وتماثيل‏}‏ صور الأنيباء؛ إذ كانت تصوَّر في المساجد ليراها النَّاس، ويزدادوا عبادة ‏{‏وجفانٍ‏}‏ قصاعٍ كبارٍ ‏{‏كالجوابِ‏}‏ كالحياض التي تجمع الماء ‏{‏وقدور راسيات‏}‏ ثوابت لا تحرَّكن عن مكانها لعظمه، وقلنا‏:‏ ‏{‏اعملوا‏}‏ بطاعة الله يا ‏{‏آل داود شكراً‏}‏ له على نعمه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 15‏]‏

‏{‏فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ‏(‏14‏)‏ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏فلما قضينا عليه الموت ما دلَّهم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ كان سليمان عليه السَّلام يقول‏:‏ اللَّهم عمِّ على الجنِّ موتي؛ ليعلم الإِنس أنَّ الجنَّ لا يعلمون الغيب، فمات سليمان عليه السَّلام مُتوكِّئاً على عصاه سنةً، ولم تعلم الجنُّ ذلك حتى أكلت الأرضةُ عصاه، فسقط ميِّتاً، وهو قوله‏:‏ ‏{‏ما دلَّهم على موته إلاَّ دابَّةُ الأرض تأكل منسأته‏}‏ عصاه ‏{‏فلما خرَّ‏}‏ سقط ‏{‏تبينت الجن‏}‏ علمت ‏{‏أنْ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا‏}‏ بعد موت سليمان ‏{‏في العذاب المهين‏}‏ فيما سخَّرهم فيه سليمان عليه السَّلام واستعملهم‏.‏

‏{‏لقد كان لسبأ‏}‏ وهو اسم قبيلةٍ ‏{‏في مساكنهم‏}‏ باليمن ‏{‏آية‏}‏ دلالةٌ على قدرتنا ‏{‏جنتان‏}‏ أَيْ‏:‏ هي جنَّتان ‏{‏عن يمين وشمال‏}‏ بستانٌ يمنةً، وبستانٌ يسرةً، وقيل لهم‏:‏ ‏{‏كلوا من رزق ربكم واشكروا له‏}‏ على ما أنعم عليكم ‏{‏بلدة طيبة‏}‏ أَيْ‏:‏ بلدتكم بلدةٌ طيِّبةٌ ليست بسبخةٍ ‏{‏و‏}‏ الله ‏{‏ربٌّ غفور‏}‏ والمعنى‏:‏ تمتَّعوا ببلدتكم الطَّيِّبة واعبدوا ربَّاً يغفر ذنوبكم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏16- 19‏]‏

‏{‏فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ‏(‏16‏)‏ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ‏(‏17‏)‏ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ ‏(‏18‏)‏ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏فأعرضوا‏}‏ عن أمر الله تعالى بتكذيب الرُّسل ‏{‏فأرسلنا عليهم سيل العرم‏}‏ وهو السِّكْر الذي يحبس الماء، وكان لهم سِكْرٌ يحبس الماء عن جنَّتيهم، فأرسل الله تعالى فيه جرذاناً ثقبته، فانبثق الماء عليهم، فغرق جنَّاتهم ‏{‏وبدلناهم بجنَّتيهم جنتين ذواتي أكل خمط‏}‏ أَيْ‏:‏ ثمرٍ مُرٍّ ‏{‏وأثل‏}‏ وهو الطَّرفاء ‏{‏وشيء من سدر قليل‏}‏ وذلك أنَّ الله تعالى أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبت بدلها الأراك والطَّرفاء والسِّدر‏.‏

‏{‏وذلك جزيناهم بما كفروا‏}‏ أَيْ‏:‏ جزيناهم ذلك الجزاء بكفرهم ‏{‏وهل نجازي إلاَّ الكفور‏}‏ بسوء عمله، وذلك أنَّ المؤمن تُكفَّر عنه سيئاته، والكافر يُجازى بكلِّ سوءٍ يعمله‏.‏

‏{‏وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها‏}‏ يعني‏:‏ قرى الشَّام، ‏{‏قرى ظاهرة‏}‏ متواصلةً، يُرى من هذه القرية القرية الأخرى، فكانوا يخرجون من سبأ إلى الشَّام، فيمرُّون على القرى العامرة ‏{‏وقدرنا فيها السير‏}‏ جعلنا سيرَهم بمقدارٍ، إذا غدا أحدهم من قريةٍ قال في أخرى، وإذا راح من قريةٍ أوى إلى أخرى، وقلنا لهم‏:‏ ‏{‏سيروا فيها‏}‏ في تلك القرى ‏{‏ليالي وأياماً‏}‏ أَيَّ وقت شئتم من ليلٍ أو نهارٍ ‏{‏آمنين‏}‏ لا تخافون عدوَّاً ولا جوعاً ولا عطشاً‏.‏

‏{‏فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا‏}‏ وذلك أنَّهم سئموا الرَّاحة، وبطروا النِّعمة فتمنَّوا أن تتباعد قراهم ليبعد سفرهم بينها ‏{‏وظلموا أنفسهم‏}‏ بالكفر والبطر ‏{‏فجعلناهم أحاديث‏}‏ لمَنْ بعدهم يتحدَّثون بقصَّتهم ‏{‏ومزَّقناهم كلَّ ممزق‏}‏ وفرَّقناهم في البلاد، فصاروا يُتمثَّل بهم في الفُرقة، وذلك أنَّهم ارتحلوا عن أماكنهم وتفرَّقوا في البلاد ‏{‏إنَّ في ذلك‏}‏ الذي فعلنا ‏{‏لآيات لكلّ صبار شكور‏}‏ أَيْ‏:‏ لكلِّ مؤمنٍ؛ لأنَّ المؤمن هو الذي إذا ابتُليَ صبر، وإذا أُعطيَ شكر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏20- 23‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏20‏)‏ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ‏(‏21‏)‏ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ‏(‏22‏)‏ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏ولقد صدَّق عليهم إبليس ظنَّه‏}‏ الذي ظنَّ بهم من إغوائهم ‏{‏فاتبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين‏}‏ أَيْ‏:‏ وجدهم كما ظنَّ بهم إلاَّ المؤمنين‏.‏

‏{‏وما كان لهم عليهم من سلطان‏}‏ من حجَّةٍ يستتبعهم بها ‏{‏إلاَّ لنعلم‏}‏ المعنى‏:‏ لكن امتحانهم بإبليس لنعلم ‏{‏مَنْ يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك‏}‏ عُلِمَ وقوعه منه‏.‏

‏{‏قل‏}‏ يا محمد لمشركي قومك‏:‏ ‏{‏ادعوا الذين زعمتهم‏}‏ أنَّهم آلهةٌ ‏{‏من دون الله‏}‏ وهذا أمرُ تهديدٍ، ثمَّ وصفهم فقال‏:‏ ‏{‏لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما‏}‏ في السَّموات ولا في الأرض ‏{‏من شرك‏}‏ شركةٍ ‏{‏وما له‏}‏ لله ‏{‏منهم من ظهير‏}‏ عونٍ‏.‏ يريد‏:‏ لم يُعنِ اللَّهَ على خلق السَّموات والأرض آلهتُهم، فكيف يكونون شركاء له‏؟‏ ثمَّ أبطل قولهم أنَّهم شفعاؤنا عند الله فقال‏:‏

‏{‏ولا تنفع الشفاعة عنده إلاَّ لمن أذن له‏}‏ أَيْ‏:‏ أذن الله له أن يشفع ‏{‏حتى إذا فزّع‏}‏ أذهب الفزع ‏{‏عن قلوبهم‏}‏ يعني‏:‏ كشف الفزع عن قلوب المشركين بعد الموت إقامةً للحجَّة عليهم وتقول لهم الملائكة‏:‏ ‏{‏ماذا قال ربكم‏}‏‏؟‏ فيما أوحى إلى أنبيائه ‏{‏قالوا الحق‏}‏ فأقرُّوا حين لا ينفعهم الإِقرار‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 28‏]‏

‏{‏قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏24‏)‏ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏25‏)‏ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ‏(‏26‏)‏ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏27‏)‏ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏قل من يرزقكم من السموات‏}‏ المطر ‏{‏و‏}‏ من ‏{‏الأرض‏}‏ النَّبات، ثمَّ أمره أن يخبرهم فقال‏:‏ ‏{‏قل الله‏}‏ أَيْ‏:‏ الذي يفعل ذلك الله، وهذا احتجاجٌ عليهم، ثمَّ أمره بعد إقامة الحجَّة عليهم أن يُعرَّض بكونهم على الضَّلال فقال‏:‏ ‏{‏وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين‏}‏ أَيْ‏:‏ نحن أو أنتم إمَّا على هدىً أو ضلالٍ، والمعنى‏:‏ أنتم الضَّالون حيث أشركتم بالذي يرزقكم من السَّماء والأرض، وهذا كما تقول لصاحبك إذا كذب‏:‏ أحدنا كاذبٌ، وتعنيه، ثمَّ بيَّن براءته منهم ومن أعمالهم فقال‏:‏

‏{‏قل لا تسألون عما أجرمنا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لكم دينكم ولي دين‏}‏ ثمَّ أخبر أنَّه يجمعهم في القيامة، ثمَّ يحكم بينهم، وهو قوله تعالى‏:‏

‏{‏قل يجمع بيننا ربنا ثمَّ يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم‏}‏‏.‏

‏{‏قل أروني الذين ألحقتم به شركاء‏}‏ ألحقتموهم بالله تعالى في العبادة، يعني‏:‏ الأصنام، أَيْ‏:‏ أرونيهم هل خلقوا شيئاً، وهذه الآية مختصرةٌ، تفسيرها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دُونِ اللَّهِ أروني ماذا خلقوا من الأرضِ أَمْ لهم شِركٌ في السَّموات‏}‏ ثمَّ قال‏:‏ ‏{‏كلا‏}‏ أيْ‏:‏ ليس الأمر على ما يزعمون ‏{‏بل هو الله العزيز الحكيم‏}‏‏.‏

‏{‏وما أرسلناك إلاَّ كافَّة للناس‏}‏ جامعاً لهم كلَّهم بالإِنذار والتَّبشير ‏{‏ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون‏}‏ ذلك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏31- 37‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ‏(‏31‏)‏ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ‏(‏32‏)‏ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏33‏)‏ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ‏(‏34‏)‏ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ‏(‏35‏)‏ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏36‏)‏ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏ولا بالذي بين يديه‏}‏ أَيْ‏:‏ من الكتب المُتقدِّمة، وقوله‏:‏ ‏{‏يرجع بعضهم إلى بعض القول‏}‏ أَيْ‏:‏ في التَّلاوم، ثمَّ ذكر إيش يرجعون فقال‏:‏ ‏{‏يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين‏}‏‏.‏

‏{‏قال الذين استكبروا للذين استضعفوا‏:‏ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين‏}‏‏.‏

‏{‏وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا‏:‏ بل مكر الليل والنهار‏}‏ أَيْ‏:‏ مكركم بنا فيهما ‏{‏إذ تأمروننا أن نكفر بالله‏}‏ ‏{‏وأسروا‏}‏‏:‏ وأظهروا‏.‏

‏{‏وما أرسلنا من قرية من نذير‏}‏ نبيٍّ يُنذرهم ‏{‏إلاَّ قال مترفوها‏}‏ رؤساؤها وأغنياؤها ‏{‏إنَّا بما أُرسلتم به كافرون‏}‏‏.‏

‏{‏وقالوا‏}‏ للرُّسل‏:‏ ‏{‏نحن أكثر أموالاً وأولاداً‏}‏ منكم‏.‏ يعنون أنَّ الله سبحانه رضي منَّا حيث أعطانا المال ‏{‏وما نحن بمعذبين‏}‏ كما تقولون‏.‏

‏{‏قل إنَّ ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‏}‏ وليس ذلك ممَّا يدلُّ على العواقب ‏{‏ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏}‏ ذلك‏.‏

‏{‏وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى‏}‏ أَيْ‏:‏ قُربى‏.‏ يعني‏:‏ تقريباً ‏{‏إلاَّ من آمن‏}‏ لكنْ مَنْ آمن ‏{‏وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف‏}‏ من الثَّواب بالواحد عشرة ‏{‏وهم في الغرفات آمنون‏}‏ قصور الجنَّة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏39- 41‏]‏

‏{‏قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ‏(‏39‏)‏ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ‏(‏40‏)‏ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏وما أنفقتم من شيء‏}‏ ما تصدَّقتم من صدقةٍ ‏{‏فهو يخلفه‏}‏ يعطي خلفه؛ إمَّا عاجلاً في الدُّنيا؛ وإمَّا آجلاً في الآخرة‏.‏

‏{‏ويوم نحشرهم جميعاً‏}‏ العابدين والمعبودين ‏{‏ثم نقول للملائكة‏}‏ توبيخاً للكفَّار‏:‏ ‏{‏أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون‏}‏‏.‏

‏{‏قالوا سبحانك‏}‏ تنزيهاً لك ‏{‏أنت ولينا‏}‏ الذي نتولاَّه ويتولاَّنا ‏{‏من دونهم بل كانوا يعبدون الجن‏}‏ يُطيعون إبليس وأعوانه ‏{‏أكثرهم بهم مؤمنون‏}‏ مُصدِّقون ما يمنُّونهم ويعدونهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44- 49‏]‏

‏{‏وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ‏(‏44‏)‏ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ‏(‏45‏)‏ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ‏(‏46‏)‏ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ‏(‏47‏)‏ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ‏(‏48‏)‏ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير‏}‏ يعني‏:‏ مشركي مكَّة لم يكونوا أهل كتابٍ، ولا بُعث إليهم نبيٌّ قبل محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏{‏وكذب الذين من قبلهم‏}‏ من الأمم ‏{‏وما بلغوا‏}‏ يعني‏:‏ مشركي مكَّة ‏{‏معشار‏}‏ عشر ‏{‏ما آتيناهم‏}‏ من القُوَّة والنِّعمة ‏{‏فكذبوا رسلي فكيف كان نكيرِ‏}‏ إنكاري عليهم ما فعلوا بالإِهلاك والعقوبة‏؟‏

‏{‏قل إنما أعظكم بواحدة‏}‏ بخصلةٍ واحدةٍ، وهي الطَّاعة لله تعالى ‏{‏أن تقوموا‏}‏ لأن تقوموا ‏{‏لله مثنى وفرادى‏}‏ مُجتمعين ومُنفردين ‏{‏ثم تتفكروا‏}‏ فتعلموا ‏{‏ما بصاحبكم‏}‏ محمَّد ‏{‏من جنةٍ‏}‏ من جنونٍ ‏{‏إنْ هو إلاَّ نذير لكم‏}‏ ما هو إلاَّ نذيرٌ لكم ‏{‏بين يدي عذاب شديد‏}‏ إنْ عصيتموه‏.‏

‏{‏قل ما سألتكم من أجر‏}‏ على تبليغ الرِّسالة ‏{‏فهو لكم إن أجري إلاَّ على الله‏}‏ يعني‏:‏ إنَّما أطلب الثَّواب من الله لا عَرضاً من الدُّنيا‏.‏

‏{‏قل إنَّ ربي يقذف بالحق‏}‏ يُلقيه إلى أنبيائه‏.‏

‏{‏قل جاء الحق‏}‏ جاء أمر الله الذي هو الحقُّ ‏{‏وما يبدئ بالباطل وما يعيد‏}‏ أَيْ‏:‏ ما يخلق إبليس أحداً ولا يبعثه، إنَّما يفعل ذلك الله تعالى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏50- 54‏]‏

‏{‏قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ‏(‏50‏)‏ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ‏(‏51‏)‏ وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ‏(‏52‏)‏ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ‏(‏53‏)‏ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي‏}‏ أَيْ‏:‏ على نفسي يكون وبال ضلالي، وهذا إخبارٌ أنَّ مَنْ ضلَّ فإنما يضرُّ نفسه ‏{‏وإن اهتديت فبما يوحي إليَّ ربي‏}‏ يعني‏:‏ لولا الوحيُ ما كنت أهتدي‏.‏

‏{‏ولو ترى‏}‏ يا مُحمّد ‏{‏إذ فزعوا‏}‏ عن البعث ‏{‏فلا فوت‏}‏ لهم منَّا ‏{‏وأخذوا من مكان قريب‏}‏ على الله وهو القبور‏.‏

‏{‏وقالوا‏}‏ حين عاينوا العذاب ‏{‏آمنا به‏}‏ بالله ‏{‏وأنى لهم التناوش‏}‏ أَيْ‏:‏ كيف يتناولون التَّوبة‏.‏ وقيل‏:‏ الرَّجعة، وقد بعدت عنهم، يريد‏:‏ إنَّ التَّوبة كانت تُقبل عنهم في الدُّنيا، وقد ذهبت الدُّنيا وبعدت عن الآخرة‏.‏

‏{‏وقد كفروا به‏}‏ بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ‏{‏من قبل‏}‏ أَيْ‏:‏ في الدُّنيا ‏{‏ويقذفون بالغيب‏}‏ يرمون محمداً صلى الله عليه وسلم بالكذب والبهتان ظنَّاً لا يقيناً ‏{‏من مكان بعيد‏}‏ وهو أنَّ الله تعالى أبعدهم قبل أن يعلموا صدق محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏{‏وحيل بينهم‏}‏ مُنعوا ممَّا يشتهون من التَّوبة والإِيمان والرُّجوع إلى الدنيا ‏{‏كما فُعل بأشياعهم‏}‏ ممَّن كانوا على مثل دأبهم من تكذيب الرُّسل قبلهم حين لم يقبل منهم الإِيمان والتَّوبة ‏{‏إنهم كانوا في شك‏}‏ من أمر الرُّسل والبعث ‏{‏مريب‏}‏ موقعٍ للرِّيبة والتُّهمة‏.‏

سورة فاطر

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 4‏]‏

‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏1‏)‏ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏2‏)‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ‏(‏3‏)‏ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏الحمد لله فاطر السموات والأرض‏}‏ خالقهما على ابتداء ‏{‏جاعل الملائكة رسلاً أولي‏}‏ أصحاب ‏{‏أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق‏}‏ في خلق الملائكة وأجنحتها ‏{‏ما يشاء‏}‏‏.‏

‏{‏ما يفتح الله للناس من رحمة‏}‏ رزقٍ ومطرٍ، فلا يقدر أحدٌ أن يمسكه، والذي يمسك لا يرسله أحد‏.‏

‏{‏يا أيها الناس‏}‏ خطاب أهل مكَّة ‏{‏اذكروا نعمة الله عليكم‏}‏ بالرِّزق والمطر وسائر ذلك‏.‏ ‏{‏هل من خالق غير الله‏}‏ هل يخلق أحدٌ سواه، ثُمَّ ‏{‏يرزقكم من السماء‏}‏ المطر ‏{‏و‏}‏ من ‏{‏الأرض‏}‏ النَّبات ‏{‏لا إله إلا هو فأنى تؤفكون‏}‏ من أين يقع لكم الإِفك والكذب بتوحيد الله‏؟‏‏!‏ ثمَّ عزَّى نبيَّه عليه السَّلام بقوله‏:‏

‏{‏وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏أفمن زين له سوء عمله‏}‏ بإضلال الله تعالى إيَّاه، فرأى قبيح ما يعمله حسناً ‏{‏فإنَّ الله يضلُّ مَنْ يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات‏}‏ لا تغتمَّ لكفرهم ولا تتحسَّر على تركهم الإيمان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 14‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ‏(‏10‏)‏ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‏(‏11‏)‏ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏12‏)‏ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ‏(‏13‏)‏ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏مَنْ كان يريد العزة‏}‏ أَيْ‏:‏ عِلْمَ العزَّةِ لمَنْ هي ‏{‏فللَّه العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب‏}‏ إليه يصل الكلام الذي هو توحيده، وهو قول لا إله إلا الله ‏{‏والعمل الصالح‏}‏ يرفع ذلك الكلم الطَّيَّب، والكلم الطَّيَّب‏:‏ ذكر الله تعالى‏.‏ والعمل الصَّالح‏:‏ أداء فرائضه، فمن قال حسناً وعمل صالحاً رفعه العمل، ومعنى الرَّفع رفعه إلى محل القبول ‏{‏والذين يمكرون السيئات‏}‏ يعني‏:‏ الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النَّدوة‏.‏ ‏{‏ومكر أولئك هو يبور‏}‏ أي‏:‏ يفسد ويبطل‏.‏ وقوله تعالى‏:‏

‏{‏وما يعمَّر من معمَّر‏}‏ أَيْ‏:‏ ما يُطوَّل عُمر أحدِ ‏{‏ولا ينقص من عمره‏}‏ ولا يكون أحدٌ ناقص العمر إلاَّ وهو مُحصىً في الكتاب‏.‏ يعني‏:‏ عدد عمر الطَّويل العمر، وعمر القصير العمر‏.‏

‏{‏وما يستوي البحران هذا عَذْبٌ فرات‏}‏ شديد العذوبة ‏{‏وهذا ملح أجاج‏}‏ شديد المرارة ‏{‏ومن كلٍّ‏}‏ من الملح والعذب ‏{‏تأكلون لحماً طرياً‏}‏ من السَّمك ‏{‏وتستخرجون‏}‏ منه من الملح ‏{‏حلية تلبسونها‏}‏ يعني‏:‏ المرجان، وإنَّما ذكر هذا للدَّلالة على قدرته‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏من قطمير‏}‏ يعني‏:‏ لفافة النَّواة‏.‏

‏{‏ويوم القيامة يكفرون بشرككم‏}‏ أَيْ‏:‏ يقولون‏:‏ ما كنتم إيَّانا تعبدون ‏{‏ولا ينبئك مثل خبير‏}‏ وهو الله عزَّ وجلَّ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 22‏]‏

‏{‏وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ‏(‏18‏)‏ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ‏(‏19‏)‏ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ‏(‏20‏)‏ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ‏(‏21‏)‏ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏ولا تزرُ وازِرَةٌ‏}‏ أَيْ‏:‏ لا تحمل نفسٌ حاملةٌ ‏{‏وزِرْ أخرى‏}‏ حِمل نفسٍ أخرى ‏{‏وإن تدع مثقلة‏}‏ نفسٌ مُثقَلةٌ بالذُّنوب ‏{‏إلى حملها‏}‏ ذنوبها ‏{‏لا يحمل منه شيء ولو كان‏}‏ المدعو ‏{‏ذا قربى‏}‏ مثل الأب والابن ‏{‏إنما تنذر الذين يخشون ربَّهم بالغيب‏}‏ إنَّما ينفع إنذارك الذين يخافون الله تعالى، ولم يروه ‏{‏ومَنْ تزكَّى‏}‏ عمل خيراً‏.‏

‏{‏وما يستوي الأعمى‏}‏ عن الحقِّ، وهو الكافر ‏{‏والبصير‏}‏ الذي يبصر رشده، وهو المؤمن‏.‏

‏{‏ولا الظلمات ولا النور‏}‏ يعني‏:‏ الكفر والإيمان‏.‏

‏{‏ولا الظل ولا الحرور‏}‏ يعني‏:‏ الجنَّة التي فيها ظلٌّ دائمٌ، والنَّار التي لها حرارةٌ شديدةً‏.‏

‏{‏وما يستوي الأحياء ولا الأموات‏}‏ يعني‏:‏ المؤمنين والكفَّار ‏{‏إنَّ الله يُسمع من يشاء‏}‏ فينتفع بذلك ‏{‏وما أنت بمسمع مَنْ في القبور‏}‏ يعني‏:‏ الكفَّار، شبَّههم بالأموات، أيْ‏:‏ كما لا يسمع أصحاب القبور كذلك لا يسمع الكفَّار‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏27- 32‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ‏(‏27‏)‏ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ‏(‏28‏)‏ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ‏(‏29‏)‏ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ‏(‏30‏)‏ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ‏(‏31‏)‏ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏ومن الجبال جدد بيض وحمر‏}‏ أَيْ‏:‏ طرائق تكون في الجبال كالعروق بيض وحمر، ‏{‏وغرابيب سود‏}‏ وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود‏.‏

‏{‏ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك‏}‏ أَيْ‏:‏ كاختلاف الجبال والثَّمرات في اختلاف الألوان‏.‏ ‏{‏إنما يخشى الله من عباده العلماء‏}‏ أَيْ‏:‏ مَنْ كان عالماً بالله اشتدَّت خشيته‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏يرجون تجارة لن تبور‏}‏ يعني‏:‏ لن تكسد ولن تفسد‏.‏

‏{‏إنه غفور‏}‏ لذنوبهم ‏{‏شكور‏}‏ لحسناتهم‏.‏

‏{‏ثمَّ أورثنا‏}‏ أعطينا بعد هلاك الأمم ‏{‏الكتاب‏}‏ القرآن ل ‏{‏الذين اصطفينا من عبادنا‏}‏ وهم أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، ثمَّ ذكر أصنافهم فقال‏:‏ ‏{‏فمنهم ظالم لنفسه‏}‏ وهو الذي زادت سيئاته على حسناته ‏{‏ومنهم مقتصد‏}‏ وهو الذي استوت حسناته وسيِّئاته ‏{‏ومنهم سابق الخيرات‏}‏ وهو الذي رجحت حسناته ‏{‏بإذن الله‏}‏ بقضائه وإرادته‏.‏ ‏{‏ذلك هو الفضل الكبير‏}‏ يعني‏:‏ إيتاء الكتاب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏34- 37‏]‏

‏{‏وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ‏(‏34‏)‏ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ‏(‏35‏)‏ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ‏(‏36‏)‏ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏الحمد له الذي أذهب عنا الحَزَنَ‏}‏ يعني‏:‏ كلَّ ما يحزن له الإنسان من أمر المعاش والمعاد‏.‏

‏{‏الذي أحلنا‏}‏ أنزلنا ‏{‏دار المقامة‏}‏ دار الخلود ‏{‏من فضله‏}‏ أَيْ‏:‏ ذلك بتفضُّله لا بأعمالنا ‏{‏لا يمسنا فيها نصب‏}‏ تعبٌ ‏{‏ولا يمسنا فيها لغوب‏}‏ إعياءٌ‏.‏

‏{‏والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا‏}‏‏.‏

‏{‏وهم يصطرخون‏}‏ يستغيثون‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أولم نعمركم ما يتذكَّر فيه مَنْ تذكَّر‏}‏ أَيْ‏:‏ العمر الذي يتَّعظ فيه، يرجع فيه إلى الله مَنْ يتَّعظ، وهو ستون سنةً ‏{‏وجاءكم النذير‏}‏ يعني‏:‏ الرَّسول، وقيل‏:‏ الشَّيب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏39- 43‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ‏(‏39‏)‏ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ‏(‏40‏)‏ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ‏(‏41‏)‏ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ‏(‏42‏)‏ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏هو الذي جعلكم خلائف في الأرض‏}‏ أَيْ‏:‏ جعلكم أُمَّةً خلقت مَنْ قبلها من الأمم‏.‏

‏{‏قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني‏}‏ أخبروني عنهم ‏{‏ماذا خلقوا من الأرض‏}‏‏.‏ أَيْ‏:‏ بأيِّ شيءٍ أوجبتم لهم الشِّركة مع الله، أَلخلقٍ خلقوه من الأرض ‏{‏أم لهم شرك في‏}‏ خلق ‏{‏السموات أم آتيناهم‏}‏ أعطينا المشركين ‏{‏كتاباً‏}‏ بما يدَّعونه من الشِّرك ‏{‏فهم على بيَّنةٍ‏}‏ من ذلك الكتاب ‏{‏بل إن يعد الظالمون‏}‏ ما يعد بعض الظالمين بعضاً ‏{‏إلاَّ غروراً‏}‏ أباطيل‏.‏

‏{‏إنَّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا‏}‏ لئلا تزولا وتتحرَّكا ‏{‏ولئن زالتا‏}‏ ولو زالتا ‏{‏إن أمسكهما‏}‏ ما أمسكهما ‏{‏من أحدٍ من بعده‏}‏ سوى الله تعالى‏.‏

‏{‏وأقسموا بالله جهد إيمانهم‏}‏ يعني‏:‏ المشركين، كانوا يقولون قبل بعثه محمد صلى الله عليه وسلم لئن أتانا رسولٌ ‏{‏ليكونن أهدى من إحدى الأمم‏}‏ أَيْ‏:‏ من اليهود والنَّصارى والمجوس ‏{‏فلما جاءهم نذير‏}‏ هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم ‏{‏ما زادهم‏}‏ مجئيه ‏{‏إلاَّ نفوراً‏}‏ عن الحقِّ‏.‏

‏{‏استكباراً في الأرض‏}‏ أَيْ‏:‏ استكبروا عن الإيمان استكباراً، ‏{‏ومكر السَّيِّئ‏}‏ ومكروا المكر السَّيِّئ، وهو مكرهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ‏{‏ولا يحيق‏}‏ أَيْ‏:‏ يحيط ‏{‏المكرُ السيِّئ إلاَّ بأهله‏}‏ فحاق بهم مكرهم يوم بدرٍ‏.‏ ‏{‏فهل ينظرون‏}‏ بعد تكذيبك ‏{‏إلاَّ سنة الأولين‏}‏ يعني‏:‏ العذاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا‏}‏ من الجرائم ‏{‏ما ترك على ظهرها‏}‏ على ظهر الأرض ‏{‏من دابة‏}‏ من الإنس والجنِّ وكلِّ ما يعقل ‏{‏ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمَّىً فإذا جاء أجلهم فإنَّ الله كان بعباده بصيراً‏}‏‏.‏

سورة يس

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 7‏]‏

‏{‏يس ‏(‏1‏)‏ وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ ‏(‏2‏)‏ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏3‏)‏ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏4‏)‏ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ‏(‏5‏)‏ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ‏(‏6‏)‏ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏يس‏}‏ يا إنسان‏.‏

‏{‏والقرآن الحكيم‏}‏ أقسم الله تعالى بالقرآن المحكم أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم من المرسلين، وهو قوله‏:‏

‏{‏إنك لمن المرسلين‏}‏‏.‏

‏{‏على صراط مستقيم‏}‏ على طريق الأنبياء الذين تقدَّموك‏.‏

‏{‏تنزيل‏}‏ أَيْ‏:‏ القرآن تنزيل ‏{‏العزيز الرحيم‏}‏‏.‏

‏{‏لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم‏}‏ في الفترة ‏{‏فهم غافلون‏}‏ عن الإيمان والرُّشد‏.‏

‏{‏لقد حقَّ القول‏}‏ وجبت عليهم كلمة العذاب ‏{‏فهم لا يؤمنون‏}‏ ثمَّ بيَّن سبب تركهم الإيمان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏8- 14‏]‏

‏{‏إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ‏(‏8‏)‏ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ‏(‏9‏)‏ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏10‏)‏ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ‏(‏11‏)‏ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ‏(‏12‏)‏ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ‏(‏13‏)‏ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً‏}‏ أراد‏:‏ في أعناقهم وأيديهم؛ لأنَّ الغلَّ لا يكون في العنق دون اليد ‏{‏فهي إلى الأذقان‏}‏ أَيْ‏:‏ فأيديهم مجموعةٌ إلى أذقانهم؛ لأنَّ الغلَّ يجعل في اليد ممَّا يلي الذقن ‏{‏فهم مقمحون‏}‏ رافعو رؤوسهم لا يستطيعون الإطراق؛ لأنَّ مَنْ غُلَّت يده إلى ذقنه ارتفع رأسه، وهذا مَثَلٌ معناه‏:‏ أمسكنا أيديهم عن النَّفقة في سبيل الله بموانعَ كالأغلال‏.‏

‏{‏وجعلنا من بين أيديهم سدَّاً ومن خلفهم سداً‏}‏ هذا وصف إضلال الله تعالى إيَّاهم، فهو بمنزلة مَنْ سُدَّ طريقه من بين يديه ومن خلفه‏.‏ يريد‏:‏ إنَّهم لا يستطيعون أن يخرجوا من ضلالهم ‏{‏فأغشيناهم‏}‏ فأعميناهم عن الهدى ‏{‏فهم لا يُبصرون‏}‏ ه ثم ذكر أنَّ هؤلاء لا ينفعهم الإِنذار فقال‏:‏

‏{‏وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون‏}‏‏.‏

‏{‏إنما تنذر من اتبع الذكر‏}‏ إنما ينفع إنذارك من اتَّبع القرآن فعمل به ‏{‏وخشي الرحمن بالغيب‏}‏ خاف الله تعالى ولم يره‏.‏

‏{‏إنا نحن نُحْيِ الموتى‏}‏ عند البعث ‏{‏ونكتب ما قدَّموا‏}‏ من الأعمال ‏{‏وآثارهم‏}‏ ما استُنَّ به بعدهم‏.‏ وقيل‏:‏ خطاهم إلى المساجد ‏{‏وكلَّ شيء أحصيناه‏}‏ عددناه وبيَّناه ‏{‏في إمام مبين‏}‏ وهو اللَّوح المحفوظ‏.‏

‏{‏واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية‏}‏ وهي أنطاكية ‏{‏إذ جاءها المرسلون‏}‏ رسل عيسى عليه السَّلام‏.‏

‏{‏إذْ أرسلنا إليهم اثنين‏}‏ من الحوارييِّن ‏{‏فكذبوهما فَعَزَّزْنا بثالث‏}‏ قوَّينا الرِّسالة برسولٍ ثالثٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 24‏]‏

‏{‏قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏18‏)‏ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ‏(‏19‏)‏ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ‏(‏20‏)‏ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ‏(‏21‏)‏ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏22‏)‏ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ‏(‏23‏)‏ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏إنّا تطيرنا بكم‏}‏ أَيْ‏:‏ تشاءمنا، وذلك أنَّهم حُبس عنهم المطر، فقالوا‏:‏ هذا بشؤمكم ‏{‏لئن لم تنتهوا لَنَرْجُمَنَّكم‏}‏ لنقتلنَّكم رجماً بالحجارة‏.‏

‏{‏قالوا طائركم معكم‏}‏ شؤمكم معكم بكفركم ‏{‏أَإِنْ ذكرتم‏}‏ وُعظتم وخُوِّفتم تطيَّرتم ‏{‏بل أنتم قوم مسرفون‏}‏ مُجاوزون الحدّ بشرككم‏.‏

‏{‏وجاء من أقصى المدينة رجل‏}‏ وهو حبيب النَّجار، كان قد آمن بالرُّسل، وكان منزله في أقصى البلد، فلمَّا سمع أنَّ القوم كذَّبوهم وهمُّوا بقتلهم أتاهم يأمرهم بالإيمان، فقال‏:‏ ‏{‏يا قوم اتبعوا المرسلين‏}‏‏.‏

‏{‏اتبعوا مَنْ لا يسألكم أَجْراً‏}‏ على أداء النُّصح وتبليغ الرِّسالة ‏{‏وهم مهتدون‏}‏ يعني‏:‏ الرُّسل، فقيل له‏:‏ أنت على دين هؤلاء‏؟‏ فقال‏:‏

‏{‏ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون‏}‏‏.‏

‏{‏أأتخذ من دونه إلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغنِ عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون‏}‏‏.‏

‏{‏إني إذاً لفي ضلال مبين‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏25- 33‏]‏

‏{‏إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ‏(‏25‏)‏ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ‏(‏26‏)‏ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ‏(‏27‏)‏ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ‏(‏28‏)‏ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ‏(‏29‏)‏ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏30‏)‏ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ‏(‏31‏)‏ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ‏(‏32‏)‏ وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏إني آمنت بربكم فاسمعون‏}‏ فلمَّا قال ذلك وثبوا إليه فقتلوه، فأدخله الله تعالى الجنَّة، فذلك قوله تعالى‏:‏

‏{‏قيل ادخل الجنَّة‏}‏ فلمَّا شاهدها قال‏:‏ ‏{‏يا ليت قومي يعلمون‏}‏‏.‏

‏{‏بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين‏}‏ أَيْ‏:‏ بمغفرة ربِّي‏.‏

‏{‏وما أنزلنا على قومه‏}‏ يعني‏:‏ على قوم حبيب ‏{‏من جند من السماء‏}‏ لنصرة الرُّسل الذين كذَّبوهم‏.‏ يريد‏:‏ لم نحتج في إهلاكهم إلى إرسال جند‏.‏

‏{‏إن كانت‏}‏ ما كانت عقوبتهم ‏{‏إلاَّ صيحة واحدة‏}‏ صاح بهم جبريل عليه السَّلام، فماتوا عن آخرهم، وهو قوله‏:‏ ‏{‏فإذا هم خامدون‏}‏ ساكنون قد ماتوا‏.‏

‏{‏يا حسرة على العباد‏}‏ يعني‏:‏ هؤلاء حين استهزؤوا بالرُّسل، فتحسَّروا عند العقوبة‏.‏

‏{‏ألم يروا‏}‏ يعني‏:‏ أهل مكَّة ‏{‏كم أهلكنا قبلهم من القرون أنَّهم إليهم لا يرجعون‏}‏ يعني‏:‏ ألم يروا أنَّ الذين أهلكناهم قبلهم لا يرجعون إليهم‏.‏

‏{‏وإن كل‏}‏ وما كلُّ مَنْ خُلق مِن الخلق إلاَّ ‏{‏جميع لدينا محضرون‏}‏ عند البعث يوم القيامة يحضرهم ليقفوا على ما عملوا‏.‏

‏{‏وآية لهم‏}‏ على البعث ‏{‏الأرض الميتة أحييناها‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏35- 41‏]‏

‏{‏لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ‏(‏35‏)‏ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏36‏)‏ وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ‏(‏37‏)‏ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ‏(‏38‏)‏ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ‏(‏39‏)‏ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ‏(‏40‏)‏ وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏وما عملته أيديهم‏}‏ أَيْ‏:‏ لم تعمله ولا صنع لهم في ذلك‏.‏

‏{‏سبحان الذي خلق الأزواج كلها‏}‏ أَيْ‏:‏ الأجناس من النَّبات والحيوان ‏{‏وممَّا لا يعلمون‏}‏ ممَّا خلق الله سبحانه من جميع الأنواع والأشباه‏.‏

‏{‏وآية لهم‏}‏ ودلالةٌ لهم على توحيد الله سبحانه وقدرته ‏{‏الليل نسلخ‏}‏ نُخرج ‏{‏منه النهار‏}‏ إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوء النَّهار، والمعنى‏:‏ ننزع النَّهار فنذهب به، ونأتي باللَّيل ‏{‏فإذا هم مظلمون‏}‏ داخلون في الظَّلام‏.‏

‏{‏والشمس‏}‏ أَيْ‏:‏ وآيةٌ لهم الشَّمس ‏{‏تجري لمستقرٍ لها‏}‏ عند انقضاء الدُّنيا‏.‏

‏{‏والقمر قدرنا منازل‏}‏ ذا منازلٍ ‏{‏حتى عاد‏}‏ في آخر منزله ‏{‏كالعرجون القديم‏}‏ وهو عود الشِّمراخ إذا يبس اعوجَّ‏.‏

‏{‏لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر‏}‏ فيجتمعا معاً ‏{‏ولا الليل سابق النهار‏}‏ يسبقه فيأتي قبل انقضاء النَّهار ‏{‏وكلٌّ‏}‏ من الشَّمس والقمر والنُّجوم ‏{‏في فلك يسبحون‏}‏‏.‏ ‏[‏يسيرون‏]‏‏.‏

‏{‏وآية لهم أنا حملنا ذريتهم‏}‏ أباهم ‏{‏في الفلك المشحون‏}‏ يعني‏:‏ سفينة نوحٍ عليه السَّلام‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏42- 49‏]‏

‏{‏وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ‏(‏42‏)‏ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ ‏(‏43‏)‏ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ‏(‏44‏)‏ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ‏(‏45‏)‏ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ‏(‏46‏)‏ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏47‏)‏ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏48‏)‏ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏وخلقنا لهم من مثله‏}‏ من مثل جنس سفينة نوح ‏{‏ما يركبون‏}‏ في البحر‏.‏

‏{‏وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم‏}‏ فلا مُغيث لهم ‏{‏ولا هم يُنقذون‏}‏ يُنجون‏.‏

‏{‏إلاَّ رحمةً منا ومتاعاً إلى حين‏}‏ أَيْ‏:‏ إلا أن نَرحمهم ونُمتِّعهم إلى انقضاء آجالهم‏.‏

‏{‏وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم‏}‏ العذاب الذي عُذِّب به الأمم قبلكم ‏{‏وما خلفكم‏}‏ يعني‏:‏ عذاب الآخرة ‏{‏لعلكم ترحمون‏}‏ لكي تكونوا على رجاء الرَّحمة، وجواب ‏{‏إذا‏}‏ محذوف تقديره‏:‏ وإذا قيل لهم هذا أعرضوا، ودلَّ على هذا قوله تعالى‏:‏

‏{‏وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلاَّ كانوا عنها معرضين‏}‏‏.‏

‏{‏وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله‏}‏ كان فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون للمشركين‏:‏ أعطونا من أموالكم ما زعمتم أنَّها لله تعالى، فكانوا يقولون استهزاءً‏:‏ ‏{‏أنطعم مَن لو يشاء الله أطعمه‏}‏ فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أنتم إلاَّ في ضلال مبين‏}‏‏.‏

‏{‏ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين‏}‏ أنَّا نُبعث‏.‏

‏{‏ما ينظرون‏}‏ ما ينتظرون ‏{‏إلاَّ صيحة واحدة‏}‏ وهي نفخة إسرافيل ‏{‏تأخذهم وهم يخصمون‏}‏ يختصمون، يُخاصم بعضهم بعضاً‏.‏ يعني‏:‏ يوم تقوم الساعة وهم في غفلةٍ عنها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏50- 53‏]‏

‏{‏فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ‏(‏50‏)‏ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ‏(‏51‏)‏ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ‏(‏52‏)‏ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏فلا يستطيعون‏}‏ بعد ذلك أن يُوصوا في أمورهم بشيءٍ ‏{‏ولا إلى أهلهم يرجعون‏}‏ لا ينقلبون إلى أهليهم من الأسواق، ويموتون في مكانهم‏.‏

‏{‏ونفخ في الصور‏}‏ يعني‏:‏ نفخة البعث ‏{‏فإذا هم من الأجداث‏}‏ القبور ‏{‏إلى ربهم ينسلون‏}‏ يخرجون بسرعة‏.‏

‏{‏قالوا‏:‏ يا وليا مَنْ بعثنا من مرقدنا‏}‏ أَيْ‏:‏ منامنا، وذلك أنَّهم كانوا قد رُفع عنهم العذاب فيما بين النَّفختين، فيرقدون ثم يقولون‏:‏ ‏{‏هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون‏}‏ أقرُّوا حين لم ينفعهم‏.‏

‏{‏إن كانت إلاَّ صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون‏}‏ يريد‏:‏ إنَّ بعثهم وإحياءهم كان بصيحة تُصاح بهم، وهو قول إسرافيل عليه السَّلام‏:‏ أيَّتها العظام البالية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏إن أصحاب الجنة اليوم في شغل‏}‏ بافتضاض الأبكار ‏{‏فاكهون‏}‏ ناعمون فرحون مُعجبون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏57- 60‏]‏

‏{‏لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ‏(‏57‏)‏ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ‏(‏58‏)‏ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ‏(‏59‏)‏ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏ولهم ما يدعون‏}‏ يتمنَّون‏.‏

‏{‏سلام‏}‏ أَيْ‏:‏ لهم سلامٌ ‏{‏قولاً‏}‏ يقوله الله عزَّ وجلَّ قولاً‏.‏

‏{‏وامتازوا اليوم أيها المجرمون‏}‏ أَيْ‏:‏ انفردوا عن المؤمنين‏.‏

‏{‏ألم أعهد إليكم‏}‏ ألم آمركم ‏{‏يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنَّه لكم عدوٌ مبين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏ولقد أضل منكم جبلاً‏}‏ خلقاً ‏{‏كثيراً أفلم تكونوا تعقلون‏}‏ عدوانه وإضلاله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏اصلوها اليوم‏}‏ اُدخلوها وقاسوا حرَّها ‏{‏بما كنتم تكفرون‏}‏ بكفركم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏66- 70‏]‏

‏{‏وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ‏(‏66‏)‏ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ‏(‏67‏)‏ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ‏(‏68‏)‏ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ ‏(‏69‏)‏ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏ولو نشاء لطمسنا على أعينهم‏}‏ لأعميناهم وأذهبنا أبصارهم ‏{‏فاستبقوا الصراط‏}‏ فتبادروا إلى الطَّريق ‏{‏فأنى‏}‏ يبصرون حينئذٍ وقد طمسنا أعينهم‏؟‏

‏{‏ولو نشاء لمسخناهم‏}‏ حجارةً وقردةً وخنازير ‏{‏على مكانتهم‏}‏ في منازلهم ‏{‏فما استطاعوا مُضيّاً ولا يرجعون‏}‏ أَيْ‏:‏ لم يقدروا على ذهابٍ ولا مجيءٍ‏.‏

‏{‏ومَنْ نعمره ننكسه في الخلق‏}‏ مَنْ أطلنا عمره نكَّسنا خلقه، فصار بدل القوَّة صعفاً، وبدل الشَّباب هرماً ‏{‏أفلا تعقلون‏}‏ أنَّا نفعل ذلك‏.‏

‏{‏وما علمناه الشعر‏}‏ لم نعلِّمْ محمداً صلى الله عليه وسلم قول الشِّعر ‏{‏وما ينبغي له‏}‏ وما يتسهَّل له ذلك ‏{‏إن هو‏}‏ أَيْ‏:‏ لس الذي أتى به ‏{‏إلاَّ ذكرٌ وقرآن مبين‏}‏‏.‏

‏{‏لينذر مَنْ كان حيَّاً‏}‏ عاقلاً، فلا يغفل ما يُخاطب به؛ لأنَّ الكافر كالميِّت ‏{‏ويحق القول على الكافرين‏}‏ تجب الحُجَّة عليهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏71- 72‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ‏(‏71‏)‏ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً‏}‏ أَيْ‏:‏ عملناه من غير واسطةٍ ولا توكيلٍ، ولا شريكٍ أعاننا ‏{‏أنعاماً فهم لها مالكون‏}‏ ضابطون‏.‏

‏{‏وذللناها‏}‏ سخَّرناها ‏{‏لهم فمنها ركوبهم‏}‏ ما يركبون‏.‏